الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
وأما الصفات المعنوية عندهم: فهي الأوصاف المشتقة من صفات المعاني السبع المذكورة، وهي كونه تعالى: قادرًا، مريدًا عالمًا حيًا، سميعًا بصيرًا، متكلمًا. والتحقيق أنها عبارة عن كيفية الإتصاف بالمعاني، وعد المتكلمين لها صفات زائدة على صفات المعاني، مبني على ما يسمونه الحال المعنوية. زاعمين أنها أمر ثبوتي ليس بموجود، ولا معدوم. والتحقيق الذي لا شك فيه أن هذا الذي يسمونه الحال المعنوية لا أصل له، وإنما هو مطلق تخييلات يتخيلونها. لأن العقل الصحيح حاكم حكمًا لا يتطرقه شك بأنه لا واسطة بين النقيضين البتة. فالعقلاء كافة مطبقون على أن النقيضين لا يجتمعان، ولا يرتفعان، ولا واسطة بينهما البتة، فكل ما هو غير موجود، فإنه معدوم قطعًا، وكل ما هو غير معدوم، فإنه موجود قطعًا، وهذا مما لا شك فيه كما ترى. وقد بينا في اتصاف الخالق والمخلوق بالمعاني المذكورة منافاة صفة الخالق للمخلوق، وبه تعلم مثله في الإتصاف بالمعنوية المذكورة لو فرضنا أنها صفات زائدة على صفات المعاني. مع أن التحقيق أنها عبارة عن كيفية الإتصاف بها. وأما الصفات السلبية عندهم: فهي خمس، وهي عندهم: القدم، والبقاء، والوحدانية، والمخالفة للخلق، والغنى المطلق، المعروف عندهم بالقيام بالنفس. وضابط الصفة السلبية عندهم: هي التي لا تدل بدلالة المطابقة على معنى وجودي أصلًا، إنما تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله. أما الصفة التي تدل على معنى وجودي: فهي المعروفة عندهم بصفة المعنى، فالقدم مثلًا عندهم لا معنى له بالمطابقة، إلا سلب العدم السابق، فإن قيل: القدرة مثلًا تدل على سلب العجز، والعلم يدل على سلب الجهل، والحياة تدل على سلب الموت، فلم لا يسمون هذه المعاني سلبية أيضًا؟ فالجواب: أن القدرة مثلا تدل بالمطابقة على معنى وجودي قائم بالذات، وهو الصفة التي يتأتى بها إيجاد الممكنات وإعدامها على وفق الإرادة، وإنما سلبت العجز بواسطة مقدمة عقلية، وهي أن العقل يحكم بأن قيام المعنى الوجودي بالذات يلزمه نفي ضده عنها لاستحالة اجتماع الضدين عقلًا، وهكذا في باقي المعاني. أما القدم عندهم مثلا: فإنه لا يدل على شيء زائد على ما دل عليه الوجود، إلا سلب العدم السابق، وهكذا في باقي السلبيات، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن القدم. والبقاء اللذين يصف المتكلمون بهما الله تعالى زاعمين، أنه وصف بهما نفسه في قوله تعالى: وأما الصفة النفسية عندهم: فهي واحدة، وهي الوجود، وقد علمت ما في إطلاقها على الله، ومنهم من جعل الوجود عين الذات فلم يعده صفة، كأبي الحسن الأشعري، وعلى كل حال، فلا يخفى أن الخالق موجود، والمخلوق موجود، ووجود الخالق ينافي وجود المخلوق، كما بينا. ومنهم من زعم أن القدم والبقاء صفتان نفسيتان، زاعما أنهما طرفا الوجود الذي هو صفة نفسية في زعمهم. وأما الصفات الفعلية، فإن وصف الخالق والمخلوق بها كثير في القرآن، ومعلوم أن فعل الخالق مناف لفعل المخلوق كمنافاة ذاته لذاته، فمن ذلك وصفه جل وعلا نفسه بأنه يرزق خلقه، قال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} ، {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ، وقال: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الاٌّرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} . وقال في وصف الحادث بذلك: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ} ، وقال: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} ، ووصف نفسه بالعمل، فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعـامًا} ، وقال في وصف الحادث به: وقال في وصف الحادث به: {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَـاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ} . وجمع المثالين في قوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} ، ووصف نفسه بأنه ينبىء، ووصف المخلوق بذلك، وجمع المثالين في قوله تعالى: {وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} . ووصف نفسه بالإيتاء، فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَىَّ الَّذِى حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِى رِبّهِ أَنْ آتَـاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}، وقال: {يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء}، وقال: وقال في وصف الحادث بذلك: {وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} ، {وَءَاتُواْ الْيَتَـامَى أَمْوَالَهُمْ} ، {وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَـاتِهِنَّ نِحْلَةً} . وأمثال هذا كثيرة جدًا في القرآن العظيم. ومعلوم أن ما وصف به الله من هذه الأفعال فهو ثابت له حقيقة على الوجه اللائق بكماله وجلاله. وما وصف به المخلوق منها فهو ثابت له أيضًا، على الوجه المناسب لحاله، وبين وصف الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق. وأما الصفات الجامعة، كالعظم والكبر والعلو، والملك والتكبر والجبروت، ونحو ذلك. فإنها أيضًا يكثر جدًا وصف الخالق والمخلوق بها في القرآن الكريم. ومعلوم أن ما وصف به الخالق منها مناف لما وصف به المخلوق، كمنافاة ذات الخالق لذات المخلوق. قال في وصف نفسه جلا وعلا بالعلو والعظم والكبر: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ} ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} ، {عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} . وقال في وصف الحادث بالعظم: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} وقال في وصف الحادث بالكبر: وقال في وصف الحادث بالعلو: وقال في وصف نفسه بالملك: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الاٌّرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} {هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} . وقال: {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} . وقال في وصف الحادث به: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} ، {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ} ، وقال في وصف نفسه بالعزة: {فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَيِّنَـاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الاٌّرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} . وقال في وصف الحادث العزة {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} ، {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ} . وقال في وصف نفسه جل وعلا بأنه جبار متكبر {هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَـامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} . وقال في وصف الحادث بهما: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىا كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} ، {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} ، وقال في وصف نفسه بالقوة: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ} . وقال في وصف الحادث بها: {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ} وأمثال هذا من الصفات الجامعة كثيرة في القرآن، ومعلوم أنه جل وعلا متصف بهذه الصفات المذكورة حقيقة على الوجه اللائق بكماله، وجلاله. وإنما وصف به المخلوق منها مخالف لما وصف به الخالق، كمخالفة ذات الخالق جل وعلا لذوات الحوادث، ولا إشكال في شيء من ذلك، وكذلك الصفات التي اختلف فيها المتكلمون. هل هي من صفات المعاني أو من صفات الأفعال، وإن كان الحق الذي لا يخفى على من أنار الله بصيرته. أنها صفات معان أثبتها الله، جل وعلا، لنفسه، كالرأفة والرحمة. قال في وصفه جل وعلا بهما: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال في وصف نبينا صلى الله عليه وسلم بهما: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال في وصف نفسه بالحلم: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} . وقال في وصف الحادث به: {فَبَشَّرْنَـاهُ بِغُلَـامٍ حَلِيمٍ} . {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} . وقال في وصف نفسه بالمغفرة: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وقال في وصف الحادث بها: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاٍّمُورِ} . {قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} . ووصف نفسه جل وعلا بالرضى ووصف الحادث به أيضًا فقال: {رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} ووصف نفسه جل وعلا بالمحبة، ووصف الحادث بها، فقال: {فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـافِرِينَ يُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَـافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} ، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} . ووصف نفسه بأنه يغضب إن انتهكت حرماته فقال {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} ، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} . وقال في وصف الحادث بالغضب {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَـانَ أَسِفًا} وأمثال هذا كثير جدًا. والمقصود عندنا ذكر أمثلة كثيرة من ذلك، مع إيضاح أن كل ما اتصف به جل وعلا من تلك الصفات بالغ من غايات الكمال والعلو والشرف ما يقطع علائق جميع أوهام المشابهة بين صفاته جل وعلا، وبين صفات خلقه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. فإذا حققت كل ذلك علمت ذلك أنه جل وعلا وصف نفسه بالاستواء على العرش، ووصف غيره بالاستواء على بعض المخلوقات، فتمدح جل وعلا في سبع آيات من كتابه باستوائه على عرشه، ولم يذكر صفة الاستواء إلا مقرونة بغيرها من صفات الكمال، والجلال. القاضية بعظمته وجلاله جل وعلا، وأنه الرب وحده، المستحق لأن يعبد وحده. الموضع الأول: بحسب ترتيب المصحف الكريم. قوله هنا في سورة الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاٌّمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـالَمِينَ} . الموضع الثاني: قوله تعالى في سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاٌّمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} . الموضع الثالث: قوله تعالى في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَـاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبَّرُ الاٌّمْرَ يُفَصِّلُ الآيَـاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَوَهُوَ الَّذِى مَدَّ الاٌّرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَـارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِى ذالِكَ لآيَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِى الاٌّرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـاوِرَاتٌ وَجَنَّـاتٌ مِّنْ أَعْنَـابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الاٍّكُلِ إِنَّ فِى ذالِكَ لآيَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . الموضع الرابع: قوله تعالى في سورة طه: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَىإِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَق الاٌّرْضَ وَالسَّمَـاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِي الاٌّرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} . الموضع الخامس: قوله في سورة الفرقان {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًاالَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَـانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} . الموضع السادس: قوله تعالى في سورة السجدة {اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَيُدَبِّرُ الاٌّمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الاٌّرْضِ} . الموضع السابع: قوله تعالى في سورة الحديد {هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالاٌّرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الاٌّرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} . وقال جل وعلا في وصف الحادث بالاستواء على بعض المخلوقات: {لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} ، {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} ، {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِّ} ونحو ذلك من الآيات. وقد علمت مما تقدم أنه لا إشكال في ذلك، وأن للخالق جل وعلا استواء لائقًا بكماله وجلاله، وللمخلوق أيضًا استواء مناسب لحاله، وبين استواء الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق. على نحو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} كما تقدم إيضاحه. وينبغي للناظر في هذه المسألة التأمل في أمور: الأمر الأول: أن جميع الصفات من باب واحد، لأن الموصوف بها واحد، ولا يجوز في حقه مشابهة الحوادث في شيء من صفاتهم، فمن أثبت مثلًا أنه: سميع بصير، وسمعه، وبصره مخالفان لأسماع الحوادث وأبصارهم، لزمه مثل ذلك في جميع الصفات. كالاستواء، واليد، ونحو ذلك من صفاته جل وعلا، ولا يمكن الفرق بين ذلك بحال. الأمر الثاني: أن الذات والصفات من باب واحد أيضًا، فكما أنه جل وعلا، له ذات مخالفة لجميع ذوات الخلق، فله تعالى صفات مخالفة لجميع صفات الخلق. الأمر الثالث: في تحقيق المقام في الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من آيات الصفات. كالاستواء واليد مثلًا. اعلم أولًا: أنه غلط في خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلا: في الآيات القرآنية. هو مشابهة صفات الحوادث. وقالوا: يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعًا، لأن اعتقاد ظاهرة كفر. لأن من شبه الخالق بالمخلوق فهو كافر، ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول. أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله والقول فيه بما لا يليق به جل وعلا. والنَّبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} لم يبين حرفًا واحدًا من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء، على أنه صلى الله عليه وسلم: لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وأحرى في العقائد ولا سيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين. حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين، فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق، والنَّبي صلى الله عليه وسلم كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة، {سُبْحَـانَكَ هَـاذَا بُهْتَـانٌ عَظِيمٌ} . ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله جل وعلا، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. فظاهره المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان. هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث. فبمجرد إضافة الصفة إليه، جل وعلا، يتبادر إلى الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق، وبين شيء من صفات المخلوقين، وهل ينكر عاقل، أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل: هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته، وجميع صفاته، لا والله لا ينكر ذلك إلا مكابر. والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات، لا يليق بالله. لأنه كفر وتشبيه، إنما جر إليه ذلك تنجيس قلبه، بقدر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداه شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله جل وعلا، وعدم الإيمان بها. مع أنه جل وعلا، هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبهًا أولا، ومعطلا ثانيًا. فارتكب ما لا يليق الله ابتداء وانتهاء، ولو كان قلبه عارفًا بالله كما ينبغي، معظمًا لله كما ينبغي، طاهرًا من أقذار التشبيه. لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه: أو وصف الله جل وعلا، بالغ من الكمال، والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعدًا للإيمان بصفات الكمال، والجلال الثابتة لله في القرآن والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فلو قال منقطع: بينوا لنا كيفية الاتصاف بصفة الاستواء واليد، ونحو ذلك لنعقلها. قلنا: أعرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة بتلك الصفات؟ فلا بد أن يقول: لا. فتقول: معرفة كيفية الإتصاف بالصفات متوقفة على معرفة كيفية الذات، فسبحان من لا يستطيع غيره أن يحصي الثناء عليه هو، كما أثنى على نفسه: فتحصل من جميع هذا البحث أن الصفات من باب واحد، وأن الحق فيها متركب من أمرين: الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشهابة الخلق. والثاني: الإيمان بكل ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتًا، أو نفيًا. وهذا هو معنى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، والسلف الصالح، رضي الله عنهم ما كانوا يشكون في شيء من ذلك، ولا كان يشكل عليهم. ألا ترى إلى قول الفرزدق وهو شاعر فقط، وأما من جهة العلم، فهو عامي: وكيف أخاف الناس والله قابض على الناس والسبعين في راحة اليد ومراده بالسبعين: سبع سماوات، وسبع أرضين. فمن علم مثل هذا من كون السماوات والأرضين في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل، فإنه عالم بعظمة الله وجلاله لا يسبق إلى ذهنه مشابهة صفاته لصفات الخلق، ومن كان كذلك زال عنه كثير من الإشكالات التي أشكلت على كثير من المتأخرين، وهذا الذي ذكرنا من تنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، والإيمان بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. هو معنى قول الإمام مالك ـ رحمه الله ـ: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة. ويروى نحو قول مالك هذا عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأم سلمة رضي الله عنها ـ والعلم عند الله تعالى ـ. {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الاٌّرْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ * وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَـاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذالِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذالِكَ نُصَرِّفُ الآيَـاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ * لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلأ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * قَالَ يَـاقَوْمِ لَيْسَ بِى ضَلَـالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَـالـاتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}. ذكر في هذه الآية الكريمة: أن رحمته جل وعلا قريب من عباده المحسنين، وأوضح في موضع آخر صفات عبيده الذين سيكتبها لهم في قوله: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـواةَ} . فيه للعلماء أقوال تزيد على العشرة. نذكر منها إن شاء الله بعضًا، ونترك ما يظهر لنا ضعفه أو بعده عن الظاهر. منها: أن الرحمة مصدر بمعنى الرحم، فالتذكير باعتبار المعنى. ومنها أن من أساليب اللغة العربية أن القرابة إذا كانت قرابة نسب تعين التأنيث فيها في الأنثى فتقول: هذا المرأة قريبتي أي في النسب ولا تقول: قريب مني. وإن كانت قرابة مسافة جاز التذكير والتأنيث. فتقول: داره قريب وقريبة مني، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ، وقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} وقول امرىء القيس: له الويل إن أمسى ولا أم هاشم قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا ومنها: أن وجه ذلك إضافة الرحمة إلى الله جل وعلا. ومنها: أن قوله {قَرِيبٌ} صفة موصوف محذوف أي شيء قريب من المحسنين. ومنها: أنها شبهت بفعيل بمعنى مفعول الذي يستوي فيه الذكر والأنثى. ومنها: أن الأسماء التي على فعيل ربما شبهت بالمصدر الآتي على فعيل، فأفردت لذلك. قال بعضهم: ولذلك أفرد الصديق في قوله: والظهير في قوله: {وَالْمَلَـائِكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ ظَهِيرٌ} إلى غير ذلك من الأوجه. قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ}. قراءة عاصم {بَشَرًا} بضم الباء الموحدة، وإسكان الشين: جمع بشير، لأنها تنتشر أمام المطر مبشرة به، وهذا المعنى يوضحه قوله تعالى: {وَمِنْ ءَايَـاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَـاحَ مُبَشِّرَاتٍ} ، وقوله: {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ}، يعني برحمته المطر كما جاء مبينًا في غير هذا الموضع كقوله: {وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} ، وقوله: {فَانظُرْ إِلَى ءَاثَـارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ الاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ} . {حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَـاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ}. بين في هذه الآية الكريمة أنه يحمل السحاب على الريح، ثم يسوقه إلى حيث يشاء من بقاع الأرض، وأوضح هذا المعنى بآيات كثيرة كقوله: {وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَـابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} . وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الْمَآءَ إِلَى الاٌّرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ}. أنكر تعالى في هذه السورة الكريمة على قوم نوح، وقوم هود عجبهم من إرسال رجل. وبين في مواضع أخر أن جميع الأمم عجبوا من ذلك. قال في عجب قوم نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ} ، وقال: ورد الله عليهم ذلك في آيات كثيرة كقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَـاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَ * وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ * قَالَ يَـاقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَـالـاتِ رَبِّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُوااْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوااْ ءَالآءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوااْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ} قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَـاتِنَآ}. لم يبين هنا كيفية إغراقهم، ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله: {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} ، وقوله: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَـالِمُونَ} . {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَـادِلُونَنِي فِى أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ فَانتَظِرُوااْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} قوله تعالى: {أَتُجَـادِلُونَنِي فِى أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤكُمُ}. لم يبين هنا شيئًا من هذا الجدال الواقع بين هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وبين عاد. ولكنه أشار إليه في مواضع أخر كقوله: {قَالُواْ ياهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَإِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُواءٍ قَالَ إِنِّى أُشْهِدُ اللَّهِ وَاشْهَدُوااْ أَنِّى بَرِى ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَمِن دُونِهِ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِإِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} . {فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَـاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ * وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـالِحًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوااْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوااْ ءَالآءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الاٌّرْضِ مُفْسِدِينَ * قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوااْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوااْ إِنَّا بِالَّذِى ءَامَنتُمْ بِهِ كَـافِرُونَ * فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَـاحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} قوله تعالى: {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَـاتِنَا}. لم يبين هنا كيفية قطعه دابر عاد، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله: قوله تعالى: {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ}. ظاهر هذه الآية الكريمة أن عقرها باشرته جماعة، ولكنه تعالى بين في سورة القمر: أن المراد أنهم نادوا واحدًا منهم. فباشر عقرها، وذلك في قوله تعالى: {فَنَادَوْاْ صَـاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} . {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَـاحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} قوله تعالى:{وَقَالُواْ يَاصَـاحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ}. لم يبين هنا هذا الذي يعدهم به، ولكنه بين في مواضع أخر أنه العذاب كقوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَـاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَـاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّـاصِحِينَ} قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَـاثِمِينَ}. لم يبين هنا سبب رجفة الأرض بهم، ولكنه بين في موضع آخر أن سبب ذلك صيحة الملك بهم، وهو قوله: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} . والظاهر أن الملك لما صاح بهم رجفت بهم الأرض من شدة الصيحة، وفارقت أرواحهم أبدانهم، ـ والله جل وعلا أعلم ـ. قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَـاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّى}. وبين تعالى هذه الرسالة التي أبلغها نبيه صالح إلى قومه في آيات كثيرة كقوله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـالِحًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَـالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَ أَن قَالُوااْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَـاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَـابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ * وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الاٌّرْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَـالَمِينَ}. بين تعالى أن المراد بهذه الفاحشة اللواط بقوله بعده: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ} ، وبين ذلك أيضًا بقوله: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَـالَمِينَ} ، وقوله: {وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} . قوله تعالى: {فَأَنجَيْنَـاهُ وَأَهْلَهُ}. ظاهر هذه الآية الكريمة أنه لم ينج مع لوط إلا خصوص أهله، وقد بين تعالى ذلك في "الذاريات" بقوله: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَفَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} ، وقوله هنا: {إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَـابِرِينَ} أوضحه في مواضع أخر. فبين أنها خائنة، وأنها من أهل النار، وأنها واقعة فيما أصاب قومها من الهلاك، قال فيها: هي وامرأة نوح {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَاخِلِينَ} ، وقال فيها وحدها: أعني امرأة لوط {إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ} ، وقوله هنا في قوم لوط: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}. لم يبين هنا هذا المطر ما هو، ولكنه بين في مواضع أخر أنه مطر حجارة أهلكهم الله بها كقوله: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} قوله تعالى: الضمير في قوله: {وَتَبْغُونَهَا} راجع إلى السبيل وهو نص قرآني على أن السبيل مؤنثة، ولكنه جاء في موضع آخر ما يدل على تذكير السبيل أيضًا. وهو قوله تعالى: في هذه السورة الكريمة
|